أَيَّـانَ تَمْضِي يَعْتَرِيـكَ تَعَجُّـبُ *** ويَحُولُ دُونَ الْحَقِّ منكَ تَرَيُّـبُ
شَرْقًا وغَرْبًا لا تـَرَى إِلَّا الذي *** يُضْنِيكَ مِنْ حَالِ الوَرَى ويُعـَذِّبُ
مَضَتِ السنينُ ومَرَّتِ الأجيالُ جِيــــلًا بعدَ جيـلٍ والأسى مُتَغَلّـِبُ
وَتَوَثَّبَتْ "صُهْيُونُ " تَرْمِي العَالَمِيـــنَ بِشَرِّهَا وعَلَتْ تَسُودُ وتُرْهِـبُ
وتَسُومُـهُ سُوءَ العَذَابِ كَأَنَّمَا *** مَلَكَـتْ أَزِمَّتَـهُ، فلَيْسَتْ تُغْلَــبُ
وتَمَلَّكَـتْ خَيْرَاتِــهِ فتَجَبَّرَتْ *** إِنَّ التَّجَبُّـرَ دَأْبُـهَـا والمَذْهَـبُ
نَهَضَتْ بقَتْلِ الأبرياءِ فلا تَسَلْ *** كَـمْ حَرَّقَـتْ وسَعِيُـرهَا مُتَلَهِّبُ
وتَحَكَّمَتْ فاعْجَبْ لِمَنْ رَاعَوْا خَوَاطِرَهَـا، فما مِنْ غَيِْرِ ذَا يُتَعَـجَّـبُ!
أفعى تَلُـفُّ مشارقًا ومغاربًا *** قَـرْنٌ مَضَى وسُمُومُهَا تَتَسَـرَّبُ!
وطَوَى الخَفَاءُ بَرِيقَهَا فتَمَكَّنَتْ *** وعَقَـارِبٌ في كـلِّ أرضٍ تَلْسِبُ
ومذاهـب شَتَّى، فكيفَ لأُمَّتِي *** أن تَبْلُـغَ الآمالَ وهْيَ تُـرَهَّبُ؟!
*** *** ***
فَجَـعَ البَرِيَّةَ فَاجِعٌ في أُمّـَتِي *** بعدَ المَذَلَّـةِ قد قَضَتْ فتَعَجَّبُـوا!
كيف اسْتَذَلَّتْ شَعْبَهَا برُؤُوسِهَا *** فأَذَلَّهَا مُسْتَكْــبِــرٌ لا يَرْهَـبُ
واسْتَعْبَدَتْ أَبْنَاءَهَا فاسْتُعْبـِدَتْ*** مثل الذليـلِ على المَذَلَّةِ يَـدْأَبُ!
أَوْدَى الوَنَى بِشُمُوخِهَا فاسْتَسْلَمَتْ*** للغاصبيـنَ، بِحِلْفِهِـمْ تَتَعـَذَّبُ
وإِذَا بِهَا تَئِـدُ الكَرَامَةَ كُلَّـهَـا*** وإِذَا بِـهَا عَنْ كُلِّ عِـزٍّ تَرْغَـبُ
وتُحِيلُ مَشْرِقَهَا ومَغْرِبَهـَا مـَرَا تِـعَ للعِـدَا، عَجَبًا لِذُلٍّ يُطْلَــبُ!
زَرَعَتْ بِهَا أَشْوَاكَهَا حتى غَـدَا *** في كُلِّ أَرْضٍ مِنْ بَنِيهَـا ثَعْلَبُ
ما مَجْدُكُمْ إلا السَّرَابُ بِعَيْـنِـهِ *** ونُفُوذُكُمْ في كُلِّ يَوْمٍ يُسْــلَبُ
حَمَلُوا رُفَاثَ العُرْبِ فوقَ ظُهُورِهِمْ*** وَتَقَدَّمُوا لِيُشَيِّعُوهُ، ويُحْجَبُـوا
ساروا وسَارَ الذل يَسْبِقُ سَيْرَهُمْ*** والآلَـةُ الحَدْبَاءُ والــدَّمُ يُسْكَبُ
ومَضَتْ جُمُوعُ النائمينَ ومِلْؤُهَا *** خَـوْفٌ ورُعْبٌ دائم وتَذَبْـذُبُ
*** *** ***
للـه دَرُّ فَـتًى يَذُودُ بِرُوحِـهِ *** عن أُمَّـةٍ قد غاب رَاعِيهَا الأَبُ
أَلْقَى الحِجَارَةَ مُقْبِـلًا، ووَلِيُّـهُ*** مُتَجَـلْبِـبٌ في خِـدْرِهِ مُتَنَقِّـبُ
حَمَلَ الهمومَ لوَحْدِهِ وأَبَى الهَوَانَ لِأَهْلِـــهِ، والحاكمونَ تَهَرَّبُــوا
ما أَرْعَبَ الغاشي سِوَاهُ ودَأْبُهُمْ***صَمْتٌ وشَجْبٌ هَادِىءٌ ومُهَـذَّبُ
فإِذَا عَلَا صَوْتٌ تَعَقَّـبَهُ العَـصَا*** والعَـارُ أَنَّا نحنُ من يَتَعَقَّـبُ!
يا قومِ ما هذا الصَّغَارُ رُوَيْدَكُـمْ*** فغَدًا يَحُـلُّ مِنَ المهانةِ صَيِّبُ
وغَـدًا تذوقونَ الذي تَخْشَوْنَـهُ*** كأسًـا من الذل الذي يُتَجَنَّـبُ
ما مَسَّكُـمْ ضَيْمٌ ولكن عَمَّكُـمْ *** خَوْفٌ, فآثَرْتُمْ كَرَاسِيَ تُرْقَـبُ
صَرَخَتْ بِقَاعُ القدسِ حتى أَسْمَعَتْ*** كـلَّ العوالِم أنها لا تُـغْلَبُ!
سيروا بنَعْشِ العُرْبِ حتى تَبْلُغُوا*** سَـدَّ الحقيقةِ يوم يُبْلَغُ مَأْرِبُ
لَكُمُ التهاني إِذْ قَمَعْتُـمْ شَعْبَكُـمْ*** يَـا شُؤْمَهَا مِنْ دَوْلَةٍ تَتَوَثَّـبُ!
سادت بها سُدُفُ الظلامِ وأَطْبَقَتْ*** ولسانُ حالِ الحقِ منها يَهْرُبُ
سيروا بنعش العُرْب قد آن الأَوَا نُ وأَعْلِـنُوا فينا الحِدَادَ وأَعْرِبُوا
أين الضمائرُ بيننَا, وَالصَّادِقُـو نَ المُخلِصونَ لِشَعْبِهِمْ هَلْ غُيِّبُوا ؟!
غِبْـتُمْ فَمَا تَجْرِي دِمَاكُمْ, إِنَّـمَا*** قد جَمَّدَ الدَّمَ في العروقِ تَغَيُّبُ
سيروا بنعش العُرْب قد آن الأوا*** نُ لأمـةٍ فيها المذلةُ مَذْهَـبُ
يَـا سَادِرًا في غَيِّـهِ مُسْتَسْلِمًا *** نَفَضَـتْكَ أيدِينَا وعَزَّ المَطْلَبُ
وعَفَى عَلَيْكَ زَمَانُنَا فارْحَلْ ولا *** تَرْجِعْ, فإِنَّــــا لِلْعُلاَ نَتَأَهَّبُ
أَيَّانَ تَرْحَلُ لاَ أَمَانَ وحَيْـثُمَا *** تَمْضِي تَضِلُّ, فأينَ أَيْنَ الْمَهْرَبُ؟
أصل القصيدة من مائة بيت انتقيت منها هذه الأبيات.